magdy_f @ المدير العام
عدد الرسائل : 8097 العمر : 54 العمل/الترفيه : محاسب admin : 3 نقاط : 19239 تاريخ التسجيل : 19/11/2007
| موضوع: مقالات البابا شنودة في الأهرام الجمعة 16 مايو 2008, 6:45 pm | |
| مقالات البابا شنودة الثالث التي تنشر يوم الأحد بجريدة الأهرام
مقال يوم الأحد 10/6/2007
تدريبات علي الهدوء بقلم: البابا شنودة الثالث
إذا أردت ان تدرب نفسك علي الهدوء ـ وبخاصة هدوء القلب وهدوء الأعصاب وهدوء الحياة ـ فعليك بالنصائح الآتية:
1ـ لاتسمح لأي شيء أن يثيرك، بل تقبل كافة الأمور بنفس هادئة، لا تنفعل كثيرا بالاسباب الخارجية مهما كانت تبدو متعبة، ولا تقلق وتضطرب، وان انفعلت، حاول ان تضع هدوءا لانفعالك، وان تهدئ نفسك، ولاتتصور أو تتخيل نتائج خطيرة سوف تحدث، فهذا التخيل سوف يزعجك، وقل لنفسك: ان كل مشكلة لها حل أو بضعة حلول. فكر اذن في الحلول، حينئذ يدخل الهدوء الي قلبك.
وان عجزت عن ايجاد حل، استشر غيرك، وان عجز الغير ايضا فاعط المشاكل مدي زمنيا تحل فيه، واطلب معونة الله وتدخله وستره.
2ـ كن دائما قوي القلب قوي الايمان، واسع الصدر في مقابلة المتاعب، بحيث لا تتضايق بسرعة، واعلم ان الضيقة قد سميت هكذا، لان القلب قد ضاق عن ان يتسع لها، اما القلب الواسع فانه لايتضيق بشيءو ان قطعة من الطين اذا القيت في كوب من الماء فانها تعكره، اما اذا ما القيت في المحيط فانها لاتعكره، بل يفرشها في أعماقه ويقدم لك ماء رائعا..
3ـ مما يفيدك في حياتك، ان تكون لك روح المرح والبشاشة.
فإنها تجلب للانسان هدوءا في النفس، واسترخاء في الاعصاب، وتبعد عنه الكآبة والاضطراب، ومهما كان الجو مكهربا وصاخبا، فإن الانسان المرح، يستطيع بفكاهة لطيفة ان يزيل جو التوتر..
وعموما فإن المتصفين بالمرح، تكون أعصابهم هادئة، بل انهم بالأكثر يمكنهم ان يهدئوا غيرهم أيضا. كما ان الوجوه البشوشة تشيع الهدوء في الاخرين. لهذا درب نفسك علي البشاشة والمرح، وتقبل كثيرا من الأمور بهذه الروح.
4ـ كذلك ان أردت ان تكتسب الهدوء، يمكنك ذلك بمعاشرة الاشخاص الهادئين، بعكس الذي يختلط دائما بالمضطربين والثائرين، فانهم ينقلون اليه عدوي مشاعرهم، فالخائفون ينقلون اليه خوفهم، والمتشائمون ينقلون اليه تشاؤمهم، وكذلك فالذين يحاربهم الشك والضيق ينقلون الي غيرهم الشكوك والضيقات، أما معاشرة الهادئين فانها تمنح الثقة والطمأنينة والسلام.
إن معاشرة الهادئين هي من أفضل أنواع المهدئات.
5ـ كذلك درب نفسك علي عدم الاندفاع وعدم التسرع، واعرف ان قلة الصبر تدل علي عدم هدوء الانسان في الداخل، فالانسان الهادئ يكون دائما طويل البال، فان اضطرب يفقد القدرة علي الصبر، ولايستطيع ان ينتظر حتي تحل الأمور، إنما يريد ان يعمل الان أي عمل أو يتكلم أي كلام أو يتخذ أي قرار!! وفي ذلك ما يضره.
6ـ مادمت لم تصل بعد الي فضيلة الهدوء، ابعد اذن بقدر امكانك عن أسباب الاثارة وكل مصادرها، ابحث ما هي الأسباب التي تجعلك تفقد هدوءك، سواء كانت منك أو من الخارج، وتحاشي هذه الاسباب وبخاصة في المعاملات، وكما قال أحد الحكماء لا تأخذ وتعطي مع انسان يقاتلك به العدو وابعد عن المناقشات الحادة، ولا تستصحب غضوبا، وابعد ايضا عن القراءات التي تفقدك الهدوء، وعن سماع الأخبار التي تزعجك.
7ـ وفي معاملاتك مع الاخرين لاتفترض المثالية في جميع الناس، فان قوبلت بتصرف خاطئ من البعض لاتتضايق. فالناس هكذا فيهم الطيب والردئ، ولا تتوقع انك ستتعامل مع ملائكة أو قديسين، إنما مع بشر عاديين، لا نسمح لأخطائهم من نحونا ان تقلقنا..!
8ـ ابعد عن استخدام العنف بكل أنواعه، ولا تواجه العنف بالعنف، فليس هذا هو اسلوب الروحيين، فالانسان الروحي لايغلبنه الشر، بل يغلب الشر بالخير. وإذا تملكتك الحيرة في التصرف، فشاور أحد الحكماء واعمل بمشورته، فإنك بهذا تضيف الي فكرك فكرا أكثر خبرة، وتتعلم الحياة عمليا..
9ـ لا تلجأ الي العقاقير لكي تحصل علي الهدوء، وأعلم ان استخدام المسكنات والمهدئات والمنومات لها ردود فعلها واحذر من ان تتعودها.
انها كلها تتيهك عن نفسك، دون ان تحل مشاكلك أو تزيل متاعبك.
إنما اعمل علي حل إشكالاتك داخل نفسك، وبحلول عملية وطرق روحية.
10ـ كذلك لا تلتمس الهدوء بالانطواء والهرب، ولا تظن انك في انطوائك علي نفسك قد صرت هادئا! كلا، فهذا مرض اخر وليس هدوءا، فان كانت لك مشكلة في بيتك، لا تظن ان حل المشكلة هو في هروبك الي النادي أو المقهي أو احدي السهرات، بينما تظل المشكلة قائمة كما هي، لاتصلح الا بمواجهتها، ومعرفة أسبابها وحلها عمليا.
11ـ تعود الهدوء في دخولك وخروجك، وفي طريقة كلامك بحيث تكون الفاظك هادئة ليست فيها كلمة عنيفة أو جارحة، وقبل ان تلفظ كلمة فكر في نتائجها وفي تأثيرها علي غيرك.
وإذا كتبت خطابا غير هاديء، فلا ترسله بسرعة، بل اتركه يوما أو يومين، وأعد قراءته، وغير ما يلزم تغييره فيه، وكل فكر يلح عليك، لاتسرع في تنفيذه ولا تطاوعه، بل انتظـر حتي تفحصه في هدوء..
12ـ اخيراً، انصحك بأن تعطي جسدك ما يحتاجه من الراحة ولا ترهقه، فإن الانسان في حالة الارهاق، تكون أعصابه عرضة لعدم الاحتمال، وربما يفقد هدوءه ويتصرف بغضب أو عصبية لأتفه الأسباب مما يندم عليه فيما بعد. لذلك لاتدخل في مناقشة حادة وانت مرهق، ولا تأخذ قرارا مصيريا وانت مرهق. | |
|
magdy_f @ المدير العام
عدد الرسائل : 8097 العمر : 54 العمل/الترفيه : محاسب admin : 3 نقاط : 19239 تاريخ التسجيل : 19/11/2007
| موضوع: رد: مقالات البابا شنودة في الأهرام الجمعة 16 مايو 2008, 6:48 pm | |
| مقال الأحد 17/6/2007
الوداعة ودماثة الخلق بقلم: البابا شنودة الثالث
من هو الإنسان الوديع.. وما صفاته وبناء شخصيته؟ ** الانسان الوديع هو الشخص الطيب المسالم. وكثير من الناس يستخدمون صفة الطيب بدلا من صفة الوديع. وهو عموما إنسان هادئ بعيد عن العنف. هو هادئ في طبعه، هادئ الأعصاب، وهادئ الألفاظ والملامح، وهادئ الحركات، فالهدوء يشمله كله من الداخل والخارج، فهو هادئ في قلبه ومشاعره، وهادئ أيضا في تعامله مع الآخرين، ويتصف بالحلم فهو حليم في أخلاقه. ** وقد قيل عن السيد المسيح في وداعته إنه لايخاصم ولايصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته، قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ، فهكذا يكون الوديع بعيدا عن الصخب والضوضاء، لايصيح، بل حينما يتكلم، يتصف كلامه بالهدوء واللطف، يختار ألفاظه بكل دماثة وأدب، لا يجرح بها شعور انسان أيا كان، حتي إن كان ذلك الشخص مثل فتيلة مدخنة، لايطفئها، فربما تمر عليها ريح فتشعلها. ** يعمل كل ذلك ـ لا عن ضعف ـ وإنما عن لطف
يذكرني هذا الأمر بقصيدة كنت قد نظمتها منذ نحو56 عاما في يوم الاربعين لأستاذ وديع كنت أحبه وقلت فيه: ياقويا ليس في طبعه عنف.. ووديعا ليس في ذاته ضعف ياحكيما أدب الناس وفي.. زجره حب وفي صوته عطف
لك اسلوب نزيه طاهر.. ولسان أبيض الألفاظ عف لم تنل بالذم مخلوقا ولم.. تذكر السوء إذا ما حل وصف
إنما بالحب والتشجيع قد.. تصلح الأعوج والأكور يصفو *** ** الإنسان الوديع يكون أيضا بعيدا عن العنف وعن الغضب. لاينتقم لنفسه، ولايحل مشاكله بالشدة، بل إن حدث وأساء اليه أحد، يقابل ذلك بالاحتمال والصبر. ** والانسان الوديع لايقيم نفسه رقيبا علي الناس وتصرفاتهم. ** والإنسان الوديع يكون دائما سهل التعامل مع الغير. يستطيع كل شخص ان يأخذ معه ويعطي.. إنه سهل في نقاشه وحواره.
لايحتد ولايشتد.. ولايستاء من عبارة معينة يقولها من يحاوره.بل يشعر المتناقش معه براحة مهما كان معارضا له، يعرف أنه سوف لايغضب عليه، وسوف لايحاسبه علي كل لفظ مما يقوله. ** الانسان الوديع هو شخص واسع الصدر، حليم طويل البال، وهو إنسان بشوش، لايعبس في وجه أحد، له ابتسامة حلوة محببة الي الناس، وملامح سمحة مريحة لكل من يتأملها. لاتسمح له طبيعته الهادئة ان يزجر أو يوبخ أو يحتد أو يشتد، أو أن يغير صوته في زجر انسان. ** ومهما عومل، لايتذمر ولايتضجر ولايشكو، بل غالبا ما يلتمس العذر لغيره، وفي ذهنه يبرر مسلكه، ولايظن فيه سوءا، وكأن شيئا لم يحدث، فلا يتحدث عن إساءة الناس اليه، ولايحزن بسبب ذلك في قلبه، وإن حدث وتأثر بسبب ذلك أو غضب سرعان ما يزول تأثره. ولايمكن ان يتحول حزنه أو غضبه الي حقد، بل ما أسرع أن يصفو. ** إنه إنسان بطيء الغضب، لايغضب لأي سبب. أما إذا غضب الوديع، فلابد أن أمرا خطيرا قد دعاه إلي ذلك، وغالبا ما يكون غضبه لأجل الخير ولأجل الغير، وليس لأجل نفسه أو بسبب كرامته أو حقوقه الشخصية.. وإذا غضب الوديع فإنه لايثور ولا يفقد أعصابه، إنما يكون غضبه هو مجرد تعبير عن عدم موافقته وعدم رضاه عما يحدث. فهو عموما أعصابه هادئة، وإذا انفعل لايشتعل. ** والانسان الوديع هو بطبيعته مسالم، لاينتقم لنفسه.
لايقابل الشر بمثله، ولايرد علي السيئة بما يشبهها، إنما هو كثير الاحتمال، لايدافع عن نفسه، بل غالبا ما يدافع عنه غيره، موبخين من يسيء اليه بقولهم ألم تجد سوي هذا الانسان الطيب لكي تسئ اليه؟!. فالوديع لايؤذي أحدا، ويحتمل أذي المخطئين.. ** والوديع له سلام في داخله، فلا ينزعج ولايضطرب. فكل المشاكل الخارجية لاتستطيع ان تعكر صفوه الداخلي. وكما قال أحد الآباء سهل عليك أن تحرك جبلا من موضعه، وليس سهلا ان تثير انسانا وديعا.
والوديع لايصطنع الهدوء، إنما كما خارجه، هكذا داخله أيضا. إنه كصخرة أو جندل في نهر، مهما صدمته الأمواج لايتزعزع. ** والوديع بعيد عن المجادلة والمحارنة، أو ما يسميه العامية( المقاوحة في الكلام)، لأنه لايجاهد لكي يقيم كلمته أو لكي ينتصر في المناقشات، إنما هو يقول رأيه ويثبته، وليقبله من يشاء ومتي يشاء، دون أن يدخل في صراع جدلي يفقده هدوءه.. ** والوديع لايوجد في تفكيره خبث ولا دهاء ولاتعقيد.. لايقول شيئا وفي نيته شيء اخر.. بل الذي في قلبه هو الذي علي لسانه. وما يقوله لسانه إنما يعبرعن حقيقة ما في قلبه، فليس عنده التواء، ولايدبر خططا في الخفاء، بل هو انسان واضح، يتميز بالصراحة، يمكن لمن يتعامل معه أن يطمئن اليه تماما. فهو شخص بسيط، لاحويط ولا غويط! ** انه يمر علي الحياة، كما يمر النسيم الهادئ علي سطح الماء.. فهو لايحدث في الأرض عاصفة ولا زوبعة، ولايحدث في البحر أمواجا ولا دوامات، فهو لايحب ان يحيا في جو فيه زوابع ودوامات لان كل ذلك لايتفق مع طبعه، ولا مع هدوئه ولا لطفه، ولا مع اسلوبه في الحياة، لذلك كل من يعاشره يلتذ بعشرته، فهو انسان طيب لا يصطدم بأحد، ولايزاحم غيره في طريق الحياة، وإن صادق في طريقه مشاكل، فإنه يمررها، ولا يدعها تمرره. * وأخيرا هناك نوعان من الودعاء أحدهما ولد هكذا، والثاني اكتسب الوداعة بجهاد وتداريب وبعمل النعمة فيه.. ** علي ان في حديثنا عن الوداعة، لايفوتنا ان ننسي ما يعطلها، فأحيانا تقف ضدها الادارة والسلطة، فالبعض يمارس الأمر والنهي، والتحقيق والمعاقبة، ويكون من واجبه مراقبة الاخرين وتصريف أمورهم، قد يفقد وداعته أحيانا، ويري في الحزم والعزم والحسم ما يبرر له العنف في بعض الأوقات. ولكن مغبوط هو الذي يحتفظ بوداعته فيما يمارس عمل السلطة ـ وهنا يبدو ان موضوعنا هذا يحتاج الي تكملة..
| |
|
magdy_f @ المدير العام
عدد الرسائل : 8097 العمر : 54 العمل/الترفيه : محاسب admin : 3 نقاط : 19239 تاريخ التسجيل : 19/11/2007
| موضوع: رد: مقالات البابا شنودة في الأهرام الجمعة 16 مايو 2008, 6:51 pm | |
| مقال الأحد 24/6/2007
الوداعة وقوة الشخصية بقلم: البابا شنودة الثالث
بدأت معكم في مقالي السابق موضوعا عن الوداعة، فتحدثت عن علاقة الوداعة بدماثة الخلق، فشرحت بعضا من شخصية الإنسان الوديع ورقته وهدوئه ولطفه واحتماله.. ولكي نستكمل هذا الموضوع، علينا أن نتحدث عن نقطة أخري مهمة وهي علاقة الوداعة بقوة الشخصية، وبالذات بفضائل أخري مثل الشجاعة والشهامة والنخوة والجرأة، وهل كل تلك الفضائل تتعارض مع الوداعة في رقتها وهدوئها؟.. ** إن الفضائل لايناقض بعضها بعضا، فهي تتكامل ولاتتعارض، وينبغي أن يفهم الناس معني الوداعة في حكمة، فالمعروف أن الطيبة هي الطبع السائد عند الوديع، ولكن عندما يدعوه الموقف إلي الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق، فلا يجوز أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة، أما ان امتنع عن الموقف الشجاع، فلا تكون هذه وداعة حقيقية، إنما تصير رخاوة في الطبع، وعدم فهم للوداعة، بل عدم فهم للحياة الروحانية بصفة عامة.
فالروحانية ليست تمسكا بفضيلة واحدة تلغي معها باقي الفضائل، إنما هي في ممارسة كل الفضائل معا بطريقة متجانسة ومتعاونة.
إن الشخص الوديع الطيب الهادئ، ليس هو جثة هامدة لا تتحرك، بل إنه ـ إذا دعته الضرورة ـ يتحرك بقوة نحو الخير ونحو الغير، ولايكون هذا ضد الوداعة في شيء، إنما عدم تحركه يكون نوعا من الخمول، ويلام عليه.. وربما يصبح هزأة في نظر الناس.. ** فالوديع يمكن أن يدافع عن المظلوم، وان ينقذ المحتاج، هل إذا رأي شخصا في خطر، معرضا للقتل من بعض الأشرار، ألا يهم بإنقاذه، أم يحجم عن ذلك مدعيا ان الوداعة لاتتدخل في شئون الغير؟! وهل إن سمع فتاة تصرخ وهي تستغيث بسبب أشخاص يحاولون الاعتداء عليها، أتراه يبعد عن انقاذها، أم هو بكل شهامة ينقذها، ولو أدي به الأمر أن يدخل في عراك أو شجار.. فهكذا يكون موقف الرجولة والفروسية. وهو لايتعارض مع الوداعة في شيء.. ** إن الوديع لايكون سلبيا باستمرار، إنما يتخذ الوضع الإيجابي حينما تدفعه الضرورة الي ذلك، فهو يشهد للحق ولا يمتنع، كما يتدخل لحل مشاكل الغير حين يكون في طاقة يده أن يفعل ذلك، ويكون حله للمشاكل في هدوء يتفق مع طبيعته، وفي حدود الواجب عليه. ** من خصال الوديع ألايتكلم كثيرا، ولكنه في ذلك يضع أمامه قول سليمان الحكيم لكل شيء تحت السماوات وقت، للكلام وقت، وللسكوت وقت.. لذلك فهو يتكلم حين يحسن الكلام، ويصمت حين يحسن الصمت. وإذا تكلم يكون لكلامه تأثيره وقوته. وإن صمت يكون في صمته أيضا قوة.. ولكنه لايصمت حين تدعوه الضرورة الي الكلام، شاعرا بأننا أحيانا ندان علي صمتنا.. ** هنا ونسأل: هل يمكن للانسان الوديع الطيب القلب أن ينتهر ويوبخ ويؤدب؟ نقول: إن كان ذلك من واجبه، فلابد أن يفعل ذلك. فالأب له أن يؤدب أولاده، وإن لم يؤدبهم يجازه الله علي تقصيره. وكذلك المدرس بالنسبة الي مرءوسية، ورئيس أي عمل بالنسبة إلي مرءوسية. فكل هؤلاء يمكنهم أن ينتهروا ويوبخوا المخطئين، حفظا علي سلامة سير الأمور، ولايكون ذلك ضد الوداعة.. علي أن يكون التوبيخ في غير قسوة، وبأسلوب عفيف لاتتدني فيه الألفاظ عن المستوي اللائق. والمعروف ان الأنبياء والرسل كانوا يوبخون البعيدين عن طريق الرب لكي يقودوهم الي التوبة، وما كان يتهمهم أحد بأنهم ضد الوداعة. ** في موضوع الوداعة إذن، ينبغي أن نفرق بين الأشخاص الذين هم في وضع المسئولية، وبين الذين لامسئولية لهم.
فالذي هو في منصب الإدارة والمسئولية، له أن يأمر وينهي، بكل حزم لكي تستقيم أمور ادارته، ولكن ليس له أن يأمر في تسلط أو غطرسة، فهذا لا يتفق مع الوداعة، وهكذا يحتفظ بين الوداعة والسلطة، ولكن الانسان الوديع العادي الذي لامسئولية له، فإنه ينأي عن الأمر والنهي واستخدام السلطة. * كذلك فالشخص المسئول ينبغي ان تكون له هيبته واحترامه، لا في كبرياء، إنما لتوقير منصبه وشخصه أيضا.
ويمكن ان يجمع بين الوداعة والهيبة، فهو لايكلم الناس من فوق في تعال بل في بساطة وحسن تعامل واحترام لمشاعرهم، دون الإخلال بوقار رئاسته، وهكذا فإن الشخص المسئول يمكن ان يكون وديعا، لا وضيعا. وكبيرا لامتكبرا.. ** هل يمكن إذن للإنسان الوديع ان يغضب وأن يحتج دون أن يتعارض ذلك مع وداعته.
نعم، يمكن ان يغضب، ولكن في غير نرفزة( عصبية), لأن النرفزة هي ضعف في الأعصاب لايليق بالوداعة، إنما الوديع في غضبه يعبر عن عدم رضاه، ويعبر عن ذلك في حزم وفي هدوء، دون صخب أو ضوضاء.. وهو في غضبه يعمل علي تصحيح الأخطاء.
وله أيضا أن يحتج، ولكن في أدب وبأسلوب يليق بوداعته. واحتجاجه يكون تعبيرا عن عدم رضاه. ** إن الانسان الوديع له إنسانيته الكاملة، وله حقوقه وعليه واجبات. وإن كانت الطيبة هي الصفة السائدة في شخصيته، إلا أنها لاتلغي باقي صفات الشخصية من الشجاعة والشهامة والجرأة والشهادة للحق، كما ان للوديع حماسة قد تظهر في حينها، وإرادة تحب أن تعمل، والطيبة عنده لاتعني السذاجة، وإنما هي دائما تمتزج بالحكمة، وتسلك بالاسلوب الرصين في هدوء وبعد عن الضجيج. ** فالوديع لايهين أحدا، وفي نفس الوقت لايعرض ذاته للمهانة، وهو لايرد علي الإساءة بالإساءة، وأيضا يبعد عن المسيئين ويتحاشي الخلطة بهم. وهو يحترم الناس، ويتصرف بما يدعوهم الي احترامه.. هو في مستوي مرتفع عن الخطأ، فبقدر إمكانه لايقع في خطأ. أما ان اخطأ اليه احد، فذاك يبكته ضميره ويبكته الآخرون. ** لهذا كله لا نتناول الوداعة بأسلوب أنصاف الحقائق، بل نعرضها بحقيقتها الكاملة، سواء من جهة دماثة الخلق، أو من جهة قوة الشخصية أيضا، وبهذا تتضح صورتها الحقيقية.
| |
|
magdy_f @ المدير العام
عدد الرسائل : 8097 العمر : 54 العمل/الترفيه : محاسب admin : 3 نقاط : 19239 تاريخ التسجيل : 19/11/2007
| موضوع: رد: مقالات البابا شنودة في الأهرام الجمعة 16 مايو 2008, 6:55 pm | |
| مقال الأحد 1/7/2007
ثلاثة تفاصيل لفضيلة الأمانة بقلم: البابا شنودة الثالث
لست أقصد فقط مجرد الأمانة في المال والأمور المادية، أي أن الانسان لا يكون سارقا أو ناهبا لغيره.. إنما أقصد الأمانة بوجه عام في كل حياة الإنسان الروحية، في تفاصيل ثلاثة: أمانة في علاقته مع الله، ومع الناس، ومع نفسه.. كثيرون بدأوا الحياة معا.. ولكن بعضهم وصل، والبعض لم يصلوا، والبعض تأخر، فما السبب في كل ذلك؟ السبب هو مقدار أمانة كل منهم. فالذين وصلوا هم الذين كانوا في غاية الأمانة في أداء دورهم في الحياة والقيام بواجباتهم ومسئولياتهم علي أكمل وجه.. -والامانة تشمل الأمور العالمية، كما تشمل الأمور الروحية. فكما يهتم الانسان بروحياته، ينبغي أن يكون أمينا في كل عمل يعمله. فالتلميذ ينبغي أن يكون أمينا في دراسته، في مذاكرته ومراجعته ونجاحه وتفوقه. وكذلك العامل في إتقانه لعمله وحفظه لمواعيده. وبالمثل الموظف وكل من هو في مسئولية. فيوسف الصديق كان انسانا روحيا وأمينا في عمله، سواء في خدمته لنوطيفار حتي ازدهر عمل الرجل. كما كان خادما في عمله كوزير تموين لمصر، حتي أنقذها وأنقذ البلاد المحيطة لها من المجاعة.
وتوجد في الحياة العملية أمور لاختبار الأمانة مثال ذلك: هل من الامانة ان يحصل شخص علي شهادة مرضية زائفة، يقدمها للحصول علي عطلة من العمل بدون وجه حق؟ وهو في ذلك لا يكتفي بأن يكون غير أمين، انما يوقع الطبيب معه ويجره إلي الخطأ معه! كذلك من يأخذ بدل سفر بدون وجه حق، أو يطالب بمكافأة علي عمل زائدovertime، بينما يمكن القيام بنفس العمل في الوقت العادي بدون زيادة!
والامثلة كثيرة من جهة عدم الأمانة في الحياة العملية، منها من ينقل الأخبار بطريقة غير أمينة، أو من لا يكون أمينا علي سر اؤتمن عليه. كذلك من لا يؤدي أية مهمة كلف بها بالأمانة المطلوبة
الأمانة تجاه الله: فقلبك الذي هو ملك لله، لا تفتحه لأعدائه، وهكذا فإن الانسان الأمين نحو الله وحفظ وصاياه، لا يتساهل مع أية خطية، ولا يتراخي مع الفكر الخاطيء، بل بكل أمانة يطرده بسرعة ولا يقبل أن يفصله أي فكر أو أية مشاعر عن محبة الله وعن طاعة وحفظ وصاياه. وهو يحفظ تلك الوصايا ولا يحيد عنها أمينا في تنفيذها لا يلتمس في ذلك ولا تبريرا وينتصر علي كل العوائق.
هو أمين أيضا في صلواته وكل نواحي عبادته، وأمين في عقيدته وفي إيمانه وفي تقديم صورة مشرقة عن الانسان المؤمن. وهو أمين في خدمة بيت الله وفي دعوة الناس اليه. ويفعل ذلك بكل جدية، يبدأ يومه بالله وينهيه بذكر اسمه. ويحيا باستمرار في حياة الشكر، يشكر الله علي نعمته وستره ورضاه. ولا يتذمر مطلقا علي مشيئة الله.. وهو باستمرار حريص علي انه لا ينطق باسم الله إلا بخشوع يليق بعزة الله وجلاله ومجده.
والامين في علاقته بالله يكون أمينا في نذوره وعهوده يعرف أنه من الخير له ألا ينذر من أن ينذر ولا يفي. كما يكون أمينا أيضا في واجباته المالية من نحو الله
أمانة الإنسان نحو نفسه: يضع أمامه مصيره الابدي. فيهتم بروحه ونقاوة قلبه. ويكون أمينا كل الأمانة في مقاومة الخطية، وفي السلوك في حياة الفضيلة والبر. ويعطي روحه غذاءها اليومي من الصلوات والتراتيل وقراءة كتاب الله والتأمل فيه. ولا يقتصر علي مجرد الاهتمام بالجسد واحتياجاته بل يجعل روحياته في المرتبة الاولي من اهتماماته بحيث ينمو كل حين في حياة البر، حتي يصل الي الكمال النسبي الممكن له كإنسان.. كذلك يكون أمينا في تثقيف نفسه بكل مصادر المعرفة والحكمة حتي ينمو في عقله وفكره وذكائه. وان كان طالب علم، يكون أمينا في دراسته لكي يصل-ليس فقط الي النجاح ـ انما الي التفوق أيضا والامتياز.
والانسان الامين لا يعتذر مطلقا بقلة امكانياته، انما يحاول أن ينمي امكانياته وقدراته بجميع الطرق. وهو لا يعتذر بالعوائق والموانع، بل يبذل كل جهده للانتصار عليها. وفي كل يقوي ارادته فلا تخور ولا تضعف.
والانسان الامين لايتساهل مع نفسه في أي شيء. بل يضبط نفسه تماما. وذلك لانه ان تساهل من جهة أخطاء الحواس، تحاربه الافكار. وان تساهل مع الافكار، تحاربه الشهوات. وان تساهل مع الشهوات، يسقط في العمل الخاطيء، انه في امانته يكون كالجبل الراسخ تصدمه العواصف والانواء فلا تنال منه شيئا.
والانسان الامين نحو نفسه، يكون أمينا أيضا من جهة وقته. فيستغل كل دقيقة من حياته لفائدته وفائدة الآخرين.
وهو بدرك تماما أن الوقت جزء من حياته لا يجوز له أن يبدده.. ويحرص علي أن يكون وقته في صالحه وليس ضده، بحيث لا يندم علي وقت قضاه في عمل ما.
الانسان الامين علي نفسه، يعرف ان له نفسا واحدة ان خسرها خسر كل شيء وليس ما يعوضها.. وهكذا يذكر باستمرار انه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه لذلك فهو يهتم بحاضر نفسه ومستقبلها ويحرص علي خلاص نفسه
أمانته نحو الاخرين: والانسان الامين يحتفظ بأسرار الناس لا يفشي شيئا منها ولو لاقرب المقربين اليه. ولا يفضح ضعفات أحد بل يكون سترا له وغطاء. وان وجد أحدا محتاجا الي معونة لا يقصر في إعانته، ويفعل ذلك في سرية بحيث لا يخجله أمام غيره.. ويكون معينا لمن ليس له معين، ونورا للسائرين في الظلمة.
وأمانته نحو الآخرين تلزمه أن يشاركهم في احزانهم وفي أفراحهم، وتقتضيه الامانة ان يزور المريض منهم، وأن يعزي من يحتاج الي تعزية وان يقدم النصيحة المخلصة لمن يلزمه النصح، وأن يشترك في حل مشاكل من هو في ضيقة، مادام هذا الامر في قدرته. ويكون قلبا محبا للكل، ويحترم الصغير منهم والكبير، ولا يحتقر الساقط بل يساعده علي القيام. ***
علي أن هناك من يسأل بعد كل هذا: ولكن ماذا استطيع أن أفعل. ان كان لا يمكنني الوصول الي هذا المستوي؟ وان كنت-علي الرغم من ضعفي ـ أريد أن أكون أمينا الامانة كلها، فكيف أبدأ؟!
أرجو ـ إن اعطاني الرب فرصة-أن أجيب عن هذا السؤال؟ فإلي اللقاء.
| |
|
magdy_f @ المدير العام
عدد الرسائل : 8097 العمر : 54 العمل/الترفيه : محاسب admin : 3 نقاط : 19239 تاريخ التسجيل : 19/11/2007
| موضوع: رد: مقالات البابا شنودة في الأهرام الجمعة 16 مايو 2008, 7:03 pm | |
| مقال الأحد 8/7/2007 كن أمينا في القليل فيقيمك الله علي الكثير بقلم: البابا شنودة الثالث
لعل إنسانا يقول الطريق الروحي طريق طويل. فكيف أبدأ؟ وكيف أصل الي نهايته؟ كيف يمكنني أن أصل الي الكمال المطلوب مني؟ والجواب علي ذلك سهل وممكن وهو كن أمينا في القليل، فيقيمك الله علي الكثير. فهذا الذي عليك أن تفعل. وليس لك أن تفكر في نهاية المطاف مرة واحدة. وأعرف أن أطول مشوار أوله خطوة. كن اذن أمينا في الخطوة الأولي، فيقيمك الله علي باقي الخطوات. كن أمينا من جهة النية. فيقيمك الله علي الامكانية. كن أمينا من جهة الارادة، فيسهل لك العمل. -ان الشيطان قد يصعب لك الطريق ويقيده، ويضع أمامك مخاوف تصور لك الكثير المطلوب منك مما لا تستطيعه، وذلك لكي يوقعك في اليأس. أما الله فلا يطلب منك سوي الأمانة في القليل. سوف يأخذ بعد ذلك بيدك خطوة خطوة حتي تصل.. يكفي-من جهة ارادتك-أنك سائر في الطريق.
*** -تقول كيف تكون حياتي كلها ملك للرب؟ أقول لك: هناك يوم في الاسبوع مخصص لله، يوم عبادة وصلاة وخدمة له فكن أمينا من جهة الله في هذا اليوم، ولا تشغل وقتك بأمور أخري، وكن أمينا من جهة ذكرك لله في أوقات فراغك. حينئذ يبارك الله في باقي أيامك. ويعطيك فرصة ان تتفرغ له بالاكثر.. -بل أقول لك: كن أمينا من جهة نفسك. لكي يقيمك الله علي نفوس الناس. أختبر أولا أمانتك في تدبير نفسك. هذه التي هي معك كل حين. وتعرف كل أسرارها ونقط ضعفها، ويمكنك بسهولة ان تؤنبها علي أخطائها، ويمكنها هي أن تطيعك.. فإن كنت غير أمين في تدبير نفسك، فكيف تؤتمن اذن علي تدبير غيرك؟! ان لم تقدر علي قيادة نفس واحدة هي نفسك فكيف تقدر علي قيادة نفوس أخري ليست تحت طاعتك؟! صدق أحد الحكماء حينما قال الذي لا يكون أمينا علي درهم واحد، كاذب هو أن زعم أن يكون أمينا أن يؤمن علي ألف دينار!! *** -أحيانا تقف يائسا امام اخطاء مسيطرة عليك، كأنها عادة متمكنة او طبع ثابت فيك، وأنت تصرخ ماذا أفعل لكي أخلص؟
كن أمينا فيما هو في مقدور ارادتك، يقيمك الله علي ماهو فوق ارادتك.
تقول وماذا أفعل من جهة الأحلام الخاطئة التي تأتيني وأنا نائم لا أملك ردها عني ؟! وهي أشياء راسبة وراسخة في عقلي الباطن!...
أقول لك: كن أمينا في ضبط عقلك الواعي، فيقيمك الله علي ضبط العقل الباطن. كن أمينا في مقاومة أخطاء الصحو، يقيمك الله بلاشك علي التخلص من أخطاء النوم. كن أمينا في حراسة فكرك أثناء النهار، فيقيمك الله علي نقاوة الفكر بالليل، ويأتي الوقت الذي تتنقي فيه أفكارك وأنت نائم. إن قدسية افكارك بالنهار ستصحبك بالليل.
تقول أريد أن أصل الي المحبة الكاملة. فأحب الله من كل قلبي ومن كل فكري، وأحب الناس كلهم حتي الذين يكرهونني جدا ويعادونني، وأحب الخير للجميع. فهل يمكنني أن أصل الي كل هذه الفضائل وهي تبدو صعبة وغير ممكنة ؟:. أقول لك: ابدأ بالقليل فتصل الي الكثير. أعني ابدأ بمخافة الله.
فإن كنت أمينا في حفظ فضيلة( مخافة الله) بذلك تحفظ كل وصاياه. حينئذ تبدأ تجد في حفظ الوصايا لذة روحية، وهكذا تحب الفضيلة وتحب الخير لجميع الناس. ثم تحب الله الذي انار عقلك هكذا.. وتكون قد وصلت الي المحبة التي تنمو فيها حتي تصل الي كمالها.
تقول وكيف احفظ الوصايا، بينما أنا أحب خطايا. كثيرة هي بلاشك ضد وصايا الله ؟! أقول لك: ابدأ بالتغصب، اي اغصب نفسك علي عمل الخير، واضبط نفسك عن ارتكاب الخطأ. فإن كنت امينا في التغصب، فستصل حتما الي محبة الخير. ذلك لأن المحبة ـ محبة الله ومحبة الخير ـ قد لا تكون نقطة البدء، إنما هي نتيجة لعمل روحي طويل. يبدأ بالتغصب حتي يصل الي الحب...
تقول وكيف أصل الي محبة الله ؟ أقول لك: ابدأ أولا بمحبة الناس بكل جدية وأمانة ونقاوة. لأنك إن لم تكن أمينا في محبة الناس الذين تراهم، كيف يمكنك أن تحب الله الذي لا تراه ؟! تقول وكيف اذن احب اعدائي ؟! أقول لك: ابدأ أولا بمحبة معارفك وأصدقائك. ثم تأكد أن العدو الوحيد الذي يحاربك ولا يمكنك أن تحبه هو الشيطان، ذلك لأنه ليس عدوك وحدك، بل هو عدو الله وعدو الخير، وهو الذي يحرض بعض البشر ضدك. واولئك ليسوا أعداء لك بالحقيقة، إنما هم ضحايا الشيطان الذي يحرضهم ضدك. وبهذا يتغير شعورك نحوهم، وتعطف عليهم كضحايا، وبالتدريج تحبهم وتطلب من الله أن يخلصهم مما هم فيه. ***
تقول كيف أصل الي فضائل الروح وهي أعمق بكثير من فضائل الجسد ؟!. أقول لك: ان الذي هو أمين في الفضيلة التي تمارس بالجسد، يرتقي الي فضيلة الروح. فالذي يصوم جسده عن الطعام، ويصوم لسانه عن الكلام الردئ، يتدرج الي ان يصوم ذهنه عن الفكر الشرير، وقلبه عن الشهوات الخاطئة.
ومن الناحية الاخري بخشوع الجسد في الركوع والسجود يمكن ان تصل الي خشوع الروح. وإن كنا أمناء في الأمور المادية الخاصة بالجسد، يقيمنا الله علي الأمور الروحية. وإن كنا أمناء في احتمال اخوتنا من البشر في الحياة الاجتماعية، يقيمنا الله علي مقاومة الشياطين في حروبهم الروحية. وأن كنا امناء من جهة الأمور التي نراها بعيوننا، يقيمنا الله علي ما لم تره عين...
لذلك يا أخي: كن أمينا علي ما في يدك، يقيمك الله علي بعض مما في يده هو، أي علي مواهبه الفائقة للطبيعة. وكن أمينا في استخدام امكانياتك المتاحة، فيقيمك الله علي ما لله. كذلك بأمانتك في مقاومة الخطايا الظاهرة، قادر الله علي أن ينصرك في الخطايا الخفية والشهوات.
وباختصار: إن كنت أمينا في هذا العمر القصير المحدود الأرضي، فإن الله يقيمك علي الحياة الأبدية في السماء.
| |
|