عدد الرسائل : 620 admin : 1 نقاط : 82 تاريخ التسجيل : 06/10/2007
موضوع: جبل Montagne الجمعة 13 يونيو 2008, 2:26 pm
مقدمة
تعتبر أغلب الأديان الجبل منطقة التلاقي بين السماء والأرض. ولعلّ السبب في ذلك ارتفاعه والسرّ الذي يكتنفه. كثيرة هي البلاد التي لها جبلها المقدّس، من حيث يبدأ العالم في الوجود، وحيث تسكن الآلهة، ومنه يأتي الخلاص. وأبقى الكتاب المقدّس كل هذه المعتقدات، إلاّ أنّه طهرها. ففي العهد القديم، ليس الجبل إلاّ خليقة من بين سائر الخلائق. وإن كان يهوه بلا شك "إله الجبال" (ربما يكون هذا معنى لفظة "الشدّاي") إلاّ أنه أيضاً له السهول (1 ملوك 20: 23 و28). أمّا مع المسيح، فلم تعد صهيون "مركز الأرض" (حزقيال 38: 12)، لأن الله لا يريد أن يعبده الناس لا في هذا الجبل ولا في ذاك، بل الروح والحقّ (يوحنّا 4: 20- 24) . أولاً: خليقة الله
1. ثبات:
نرى البشر يزولون، وبينما الجبال تدوم. ويقودنا هذا الاختبار إلى أن نرى تلقائيا في الجبال رمز العدل الله الأمين (مزمور 36: 7)، حتّى إن الجبال التي عرفها الآباء قد سمّيت "بالآكام الدهرية" (تكوين 49: 26، ثنية 33: 15). ولكن، مهما كان من روعها، إلاّ أنّه لا يجوز تأليهها، وهي ليست إلا خلائق عادية: "من قبل أن ولدت الجبال، من الأزل إلى الأبد أنت الله" (مزمور 90: 2، راجع أمثال 8: 25) . انّ الخالق "الذي وزن الجبال بالقبّان، والتلال بالميزان" (إشعيا 40: 12) هو الذي "يثبّت الجبال بقوّته" (مزمور 65: 7)، يُزحزحها كما يشاء (أيوب 9: 5)، ويعطي هذه السلطة لأصغر المؤمنين به (متّى 17: 20، راجع 1 كورنتس 13: 2). فيهتف الجميع قائلين: "باركي الربّ أيتها الجبال والتلال" (دانيال 3: 75، مزمور 148: 9). 2. قدرة:
ترتفع الجبال فوق السهول المعرّضة للكوارث، وبذلك تستطيع أن تقدّم الملجأ الأمين، مثلاً في حالة لوط (تكوين 19: 17)، وهي تستهوي البار المضطهد الذي يفكّر في الهروب اليها كالعصفور (مزمور 11: 1، راجع حزقيال 7: 16، متّى 24: 16). ولكن على هذا البارّ أن يحترس، لأنّه عندما يرفع عينيه نحو الجبال تأتيه النجدة من الله وحده، خالق السماء والأرض (مزمور 121: 1 - 2، راجع إرميا 3: 23). وإلاّ فيكون قد وضع ثقته في خليقة تتحول حينذاك من مجرد رمز للقوة (دانيال 2: 35- 45)، إلى رمز للكبرياء، مثل بابل الشامخة، السائدة على العالم (إرميا 51: 25)، فلا بد من أن ينخفض كل مرتفع ويتعالى الله وحده (إشعيا 2: 11- 15). 3. حقيقتها أمام الله:
"لاسمك يرنّم تابور وحرمون" (مزمور 89: 13). عدما يفتقد الربّ الأرض، لتندفع الجبال بترانيم الفرح (إشعيا 44: 23)، ولتقفز أمام مآثره (مزمور 29: 6)، ولتدع السلاف الجديد يقطر على منحدراتها، ولينضج القمح على قممها (عاموس 9: 13، مزمور 72: 16)! ولكن سرعان ما يمهدها الله ويساويها بالسهل (إشعيا 45: 2، 49: 11، باروك 5: 7، لوقا 3: 5)! فلن تشكّل بعد ذلك الملجأ الناجح في يوم الغضب (هوشع 10: 8، لوقا 21: 21، 23: 30، رؤيا 6: 14- 16). "نظرت إلى الجبال فإذا هي ترتجف" (إرميا 4: 24). إنها تتحول إلى دخان إذا ما مسّها الذي يمكنه أن يفنيها بالنار (مزمور 104: 32، تثنية 32: 22). تذوب كالشمع (مزمور 97: 5) وتسيل (قضاة 5: 5) تحت قدميه (ميخا 4) وأمام وجهه (إشعيا 63: 19). "تتبدد جبال الدهر" (حبقوق 3: 6)، وتندكّ (حزقيال 38: 20) وتزول في آخر الأزمنة (رؤيا 6: 14، 16: 20). ثانياً: الجبال المقدّسة
لقد خص الله بعض الجبال للقيام بدور دائم ومجيد، بالرغم من أن مصيرها، مثل الخليقة كلها، آيل إلى التحويل الشامل: 1. من حيث هو مهبط الوحي الأسمى. يشكّل "جبل الله" حوريب، في طور سيناء، أرضاً مقدّسة، حيث دعا الله موسى (خروج 3: 1 و5). وقد قدّسها تعالى باعطاء شريعته (خروج 24: 12- 18) وحلول مجده عليها (24: 16). وهناك أيضاً صعد ايليّا (1 ملوك 19: ، برغبة الاستماع إلى صوت الله: وكان هذا ما يبتغيه الأنبياء أيضاً بلا شكّ، عند جلوسهم وإقامة صلواتهم على قمّة الجبال: مثل موسى في طور سيناء (خروج 17: 9- 10)، وايليّا وأليشع على جبل الكرمل (1 ملوك 18: 42، 2 ملوك 9، 4: 25). 2. كمكان خاص بالعبادة. يسمح الجبل، المرتفع فوق الأرض، بملاقاة الربّ. فعلى مكان قليل العلوّ (مذبح)، يجب أن تقام الذبيحة (خروج 24: 4- 5)، وعلى جبل جاريزيم وجبل هيبال، ينبغي تلاوة البركة واللعنة (تثنية 11: 29، يشوع 8: 30- 35). وعلى أكمة أيضاً، يقام التابوت، بعد رجوعه من عند الفلسطينيّين (1 صموئيل 7: 1)، وعملاً بتقليد جليل يقوم كل من جدعون (قضاة 6: 26) وصموئيل (1 صموئيل 9: 11) وسليمان (1 ملوك 3: 4) وايليّا (1 ملوك 18: 19- 20) بتقديم الذبائح مع الشعب على "المشارف" (1 ملوك 3: 2). وقد اقتبس بنو إسرائيل هذه الطقوس من الكنعانيين إلاّ أنهم خصّوا بها يهوه الإله الأحد، ولكنهم تعرضوا لخطر الوثنيّة من جرّاء تعدد المشارف (إرميا 2: 20، 3: 23). ولذا انتهوا إلى تركيز العبادة في مكان واحد (تثية 12: 2- 9). وما هوذا الجبل الذي لم يبنه الانسان ليرتقي إلى السماء (تكوين 11)، وها هي ذي الأكمة، الجميلة الذروة، التي اختارها الله بين الجبال المنحدرة (مزمرر48: 2- 3، 68: 17). وبينما قد تتساقط الجبال الأخرى في قلب البحار (مزمور 46: 3)، ينتصب صهيون ملجأ أميناً (يوئيل 3: 5)، ثابتاً إلى الأبد (مزمور 125: 1). فليس للانسان أن يقول في قلبه: "انّي أصعد إلى السماء، أرفع عرشي فوق كواكب الله.. أصعد فوق أعالي السحب وأكون شبيهاً بالعلي" (إشعيا 14: 13- 14). فقد تسقطه تلك الأفكار إلى أعماق الهاوية. انّ الله ذاته "قد مسح ملكه على صهيون جبل قدسه" (مزمور 2: 6)، في المكان نفسه الذي قرّب فيه ابراهيم ابنه على جبل الموريّا (2 أيام 3: 1، راجع تكوين 22: 2). وعلى هذا الجبل المقدّس، الغني بذكريات الهية عديدة، ينبغي للمؤمن أن يصعد (مزمور 24: 3)، مرتلاً "أناشيد المراقي" (مزمور 120 إلى 134) ويرجع إليه بلا انقطاع (مزمور 43، 3). راجياً أن يقيم فيه إلى الأبد مع الربّ (مزمور 15: 1، 74: 2). 3. في آخر الأزمنة. ماذا يكون مصير هذه الأمكنة التي قدسها الله ذاته؟ في التطلعات الخاصة بنهاية العالم، لم يعد مكان لطور سيناء. فلا ينظر إليه إلاّ كمكان ألقى منه الله قديماً "كلمات الحياة"، وحيث خرج منه، قاصداً إلى سكناه الحقيقيّة أي صهيون (مزمور 68: 16- 18). بخلاف طور سيناء الذي يختفي غارقاً في الماضي، يحتفظ جبل صهيون بقيمة اسكاتولوجية. "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يوطّد في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري إليه جميع الأمم... هلمّوا نصعد إلى جبل الربّ "إشعيا 2: 2- 3)، إلى هذا الجبل المقدّس (11: 9، دانيال 9: 16). وسوف يملك الله في جبل صهيون (إشعيا 24: 23)، ويصنع فيه مآدبة عظيمة (25: 6- 10) للاخوة المشتّتين الذين تجمعوا أخيراً (27: 13، 66: 20) وحتى لبني الغريب (56: 6- 7). وفي الواقع، بينما تتحوّل البلاد إلى سهل، سوف ترتفع أورشليم، ساكنة في مكانها (زكريّا 14: 10). يقصدها الجميع ويصعدون إليها على الدوام (14: 16- 18).
mmmm_1959 صاحب الموقع
عدد الرسائل : 620 admin : 1 نقاط : 82 تاريخ التسجيل : 06/10/2007
موضوع: رد: جبل Montagne الجمعة 13 يونيو 2008, 2:28 pm
ثالثاً: المسيح والجبال
1. تختلف الأناجيل الازائيّة في نظرتها إلى الجبال، من حيث دورها في حياة يسوع. فهي تتّفق في القول على أنّ يسوع كان يحب الاعتزال في الجبل ليصلّي (متى 14: 23 لوقا 6: 12، 9: 28)، وأن عزلة البرية (قارن بين لوقا 15: 4 ومتى 18: 12) التي يبحث عنها هي بلا شك ملجأة من الدعاية الصاخبة (راجع يوحنا 6: 15)، وتتفق أيضاً هذه الأناجيل على اغفال جبل صهيون. وذكر جبل الزيتون. وجبل التجلّي. ولكن من نظرة مختلفة. في نظر متّى، تشكّل جبال الجليل المكان المفضّل لحالات ظهور المخلّص. وتدور حياة يسوع العلنية في إطار مشهدين يتمّان على الجبل. في بدايتها، يعرض الشيطان على يسوع السلطان على العالم أجمع (متّى 4: ، وفي نهايتها. يمنح فيه يسوع تلاميذه السلطان الذي أولاه أبوه إيّاه (28: 16). وما بين هذين المشهدين، نرى يسوع يختار هذا أو ذاك الجبل ليعلّم الجمعَ (5: 1) ويشفي المساكين ويعطيهم خبزاً عجيبا (15: 29...)، أخيراً، يتمّ حادث التجلّي. إلا أن متّى لم يخبرنا باسم أحد هذه الحبال، وكأنّ يسوع قد حذّره من خطر تقييد سكناه بواحد منها. فالذكرى وحدها تظلّ حيّة لدى الذين "عاينوا جلاله" وقد تحققت أقوال الأنبياء عن "الجبل المقدّس" (2 بطرس 16- 19)، ولكنّ يسوع لا يعلق رسالته على مكان ما من أمكنة الأرض، بل على شخصه بالذات. أمّا لوقا فيرى في "الصعود" إلى أورشليم طريق المجد بواسطة الصليب. وليس الغرض من هذا الصعود مجرّد الحجّ الذي يقوم به أتقياء إسرائيل (لوقا 2: 46)، وإنما هو الصعود المصيري الذي يشمل حقبة من حياة يسوع (9: 51 إلى 21: 38، راجع 18: 13). وإذْ يتجاهل لوقا جبال الجليل حيث ألقى يسوع تعاليمه وأجرى عجائبه، يركّز كلّ انتباهه على جبل الزيتون. وان كان لا يذكر أنّ يسوع ألقى منه خطابه عن نهاية العالم (قارن متّى 24: 3، مرقس 13: 3) فهو يَعدّ هذا الجبل هدف الصعود إلى أورشليم (لوقا 19: 29)، ومنه، بحسب التقاليد الرؤيوية (زكريّا 14: 3- 4)، ينطلق الربّ ليغزو العالم: فيه يحفل به الشعب رسمياً (لوقا 19: 37)، وفيه أيضاً تبدأ مرحلة الآلام (22: 39)، ومنه أخيراً يصعد إلى السماء (أعمال 12). إذا أشار الكتاب المقدّس إلى جبل معيّن، فيبدو انّه لم يفعل ذلك إلاّ ليعلّمنا أن "نرفع" أعيننا نحو السماء أو بالأحرى نحو الذي "رُفع" من الأرض (يوحنّا 3: 13- 14، 19: 37)، بحسب الفكر اللاهوتي للقديس يوحنّا. 2. لا تقدّم كتب العهد الجديد الأخرى تعليماً عن الجبال المتمتّعة بالامتيازات الواردة في العهد القديم. وفي دفاعه عن تعليمه، يشبّه القدّيس بولس طور سيناء ببيت العبوديّة (غلاطية 4: 24- 26)، أو يرى فيه الوجه المضادّ لجبل صهيون الذي يمكننا الاقتراب منه في الوقت الحاضر (عبرانيين 12: 18 و22). وبنفس المعنى، تقدّم الرؤيا الحمل قائماً، في آخر الأزمنة، على جبل صهيون (رؤيا 14: 1). ولكن في مكان آخر، تقوم الرؤيا بنقد جذريّ لهذا المكان المقدّس: لم يعد الجبل المكان الذي تقوم عليه المدينة (أورشليم) مثلما هي الحال في رؤيا حزقيال (حزقيال 40: 2)، ولكنه مجرد مرصد نتطلع منه إلى أورشليم النازلة من السماء (رؤيا 21: 10).