طقس تدشين الايقونة
الأساس اللاهوتي للأيقونة: |
إن اكرام الأيقونات في كنيستنا الأرثوذكسية يستند إلى أهم عقيدة نؤمن بها. ولها أثر مباشر في قضية خلاصنا وهي عقيدة تجسد الله وحضوره الحقيقي بيننا
فعندما نكرم الأيقونات فإننا نعلن إيماننا بحقيقة تجسد وتأنس ربنا يسوع المسيح. ففي العهد القديم تعامل الله مع الناس بواسطة أفعال إلهية وعن طريق أفواه
الأنبياء أما في العهد الجديد فقد تجسد كلمة الله "وحل بيننا ورأينا مجده" (يو 14) "الله بعدما كلم الأباء بالأنبياء قديماً بأنواع زطرق كثيرة كلمنا في هذه
الأيام الأخيرة في ابنه ... الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب 1-3).
أي ان الآب نفسه ظهر للبشر بشخص الابن "أنا معكم زماناص هه مدته ولم تعرفني ياغ فيلبس؟! الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9) أي أننا نستطيع أن
نرى الله في شخص ربنا يسوع المسيح وهذا ما نتميز به عن الوضع في العهد القديم لأن المسيح هو "صورة الله غير المنظور" (كو 15).
لذلك أمكننا أن نرسم أيقونة للمسيح "الذي هو صورة الله"(2كو4: 4)كعلامة منظورة لحضور الله غير المنظور وتأكيد لهذا الحضور الإلهي وتنبيه للذهن إلى
أصل الصورة أي المسيح نفسه فنحن لا نخلط بين الصورة والأصل ولا نعبد الخشب والألوان والأوراق التي تكون الصورة بل نعبد الله الحي وحده ونكرم
أيقونته.
2-عهد الناموس والأيقونات: |
لقد منع شعب العهد القديم من صنع التماثيل والصور وعبادتها "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في
الماء من تحت الأرض ولا تسجد لهن ولا تعبدهن" (خر20: 5,4)
فكيف نفسر هذا الأمر؟ إن المعنى الحقيقي لهذه الوصية واضح فيما قبله من آيات "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك
آلهة أخرى أمامي" (خر20: 3,2)
فالغرض من الوصية ألا ينقاد الشعب إلى عبادة غريبة عن اللهخاصة وأنهم كانوا قد خرجوا للتو من أرض مصر التي تلوثت بعبادات وثنية عديدة وآلهة كثيرة
وكانوا وقتئذ وحتى مجئ المسيح محاطين بأمم كثيرة تعبد آلهة عديدة مصورة في تماثيل وأحجار وألواح ... لذلك كان الله يؤكد عليهم دائماً ألا يختلطوا بالأمم
وألا يتنجسوا بعبادتهم الرديئة "أنا الأول والآخر ولا إله غيري" (أش44: 6) ومع ذلك فقد سقط الشعب الأسرائيلي مراراً عديدة في العصيان وعبادة الأوثان
لذلك كان من المنطقي أن يشدد الله عليهم ألا يلتفتوا إلى المنحوتات ومصنوعات الأيادي والصور وأن يعبدوا فقط الله غير المنظور.
ومع وجود هذا المنع القاطع إلا أن الله قد أوصى شعبه في العهد القديم أن يصنع بعض الأدوات المادية التي تساعد في العبادة وأن تنال هذه الأدوات كرامة
وتقديساً يليق بالله الحاضر فيها والمعلن عنه بواستطها
مثل :
"ثم قال الرب لموسى أنحت لك لوحين من حجر مثل الأولين فاكتب أنا على اللوحين الكلمات,..." (خر 34: 1)
ولا شك أن هذين اللوحين قد نالا كرامة ومجداً واحتراماً من بني اسرائيل ولم يكن أحد يجرؤ أن يلمسها أو حتى أن ينظر إليهما إذ قد حفظا في التابوت الذي لا
يلمسه أحد بل يحمله اللاويون بطقس خاص دون أن يلمسوه ومع كل هذا التوقير الزائد للألواح لم يكن يعتبر هذا انحراف أو عبادة ألواح.
وقد شرح الرب لموسى أدق تفاصيل صناعة التابوت والمائدة والمذبح ومرحضة النحاس والمسكن .... وكل هذه كانت تعامل بوقار وهيبة ولا يقترب إليها
اللاويون بإستعدادات خاصة وبطرق خاصة حتى أنه عندما مد عزة يده إلى تابوت الله وأمسكه لأن الثيران انشمصت, فحمي غضب الرب على عزة وضربه
هناك لأجل غفله فمات هناك لدى تابوت الله (2صم6: 7, 6).
فقد أوصى الله بعمل تمثالين من الذهب للكاروبيم "وتصنع كروبين من ذهب صنعة خراطة تضعهما على طرفي الغطاء فاصنع كروباً واحداً على الطرف من هنا
وكروباً آخر على الطرف من هناك ومن الغطاء تصنعون الكروبين على طرفيه ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظللين بأجنحتهما على الغطاء و
وجهاهما كل واحد إلى الأخر نحو الغطاء يكون وجها الكروبين" (خر25: 18-20) ....وهذان الكاروبان اسماهما معلمنا بولس "كاروبا المجد" (عب5:9)
وعمل في المحراب كروبين من خشب الزيتون علو الواحد عشر أذرع ... وشكل واحد للكروبين ... وغشى الكروبين بذهب وجميع حيطان البيت في مستديرها
رسمها نقشاً بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج ... ورسم عليهما نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور ... وبنى الدار الداخلية ثلاثة
صفوف منحوتة وصفا من جوائز الأرز (1مل6: 23-36) وأشكال أخرى كثيرة عملها الملك سليمان فعمل تماثيل لأثنى عشر ثوراً يحملون حوضاً كبيراً له شفة
منقوشة بمنظر قثاء مستديراً صفين والشفة نفسها كمثل شفة كأس بزهر سوسن (راجع 1مل7: 23-26) ومناظر أسود وثيران وقلائد زهور وأكاليل أعمدة
مزينة برمانات ... إلخ(راجع 1مل7:29-50) كل هذا يدلنا على أن الله عندما أوصي بعدم عمل صور وتماثيل لم يحظر استعمال أدوات للعبادات ولكن منع منعاً
قاطعاً عبادة الأوثان وتألية المادة.
3-عهد النعمة والأيقونات:- |
لقد تغير الوضع بسبب التجسد:
1-التجسد قدس المادة وأعاد إليها بهاءها الأول وإمكانية اتحاد الله بالإنسان وتجليه في المادة.
2-صار الله حاضراً فينا ورأيناه وتلامسنا معه فلم يعد قريباً لذهن الإنسان أن يتخيل الله في شكل وثن كما حدث قديماً بسبب احتجاب وانحجاب معرفته.
3-ترقت البشرية وصار الله يعاملها كالبنين الناضجين "سمعتم أنه قيل للقدماء ... أما أنا فأقول لكم ..." فلم تعد هناك رعبة انحراف العبادة إلى الأوثان.
4-الله بتجسده قد جدد طبيعتنا الساقطة الفاسدة وجعلنا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين أخوة كثيرين" (رو29: "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا
ليكون على صورة جسد مجده" (في21:3).
لذلك صار في إمكاننا أن نعاين الصورة الأصلية للإنسان التي قصدها الله في آدم... نراها في أولئك الذين جددهم المسيح بتجسده وحفظوا بطهارتهم نقاوة
الصورة فلبسوا "صورة السماوي" (1كو49:15)
"ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2كو18:3).
فالأيقونة الكنسية لا ترسم عادياً (كالفوتوغرافي) ولكنها ترسم "الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق" (أفسس24:4).
4-ماذا يحدث في طقس تدشين الأيقونات: |
1-التدشين هو التكريس أي التقديس والتخصيص لله ... فتصير الأيقونة بعد تدشينها أداة مقدسة لإعلان حضور الله بفعل الروح القدس. لذلك وجب تكريمها
والتبخير أمامها وتقبيلها بكل وقار.
2-يقوم بطقص التدشين الأب الأسقف وليس غيره ... والأصل في ذلك كل أعمال الكهنوت كالمعمودية والافخارستيا وسيامات الكهنوت والشمامسة والتدشين
والزواج وغيره كان يقوم بها الأب الأسقف ويعاونه في ذلك الأباء الكهنة ... وعندما اتسعت المسيحية وكثر المؤمنون زظهرت الحاجة إلى ممارسات كهنوتية
في كل مكان. وفي أطراف الإيبارشيات, سمح للكاهن بأن يمارس الممارسات المتكررة كتلمعمودية والافخارستيا والزواج ومسحة المرضى وغيره ....
أما الطقوس التي قد تمارس مرة واحدة في العمر وفي مناسبات نادرة مثل تدشين الكنائس والمعموديات والأيقونات وأواني المذبح فظلت من اختصاص الأسقف
بالإضافة إلى سيامة الكهنوت والشمامسة.
3-في الصلاة التي يصليها الأب الأسقف لتدشين الأيقونة يذكر الأساس الكتابي واللاهوتي لعمل الأيقونات.
"أيها السيد الرب الإله ضابط الكل أبا ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي من قبل عبده موسى أعطانا الناموس منذ البدء أن يضع في قبة الشهادة (خيمة
الاجتماع) نماذج للشاروبيم (تماثيل) هؤلاء الذين يغطون بأجنحتهم على المذبح. وأعطيت حكمة لسليمان من جهة البيت الذي بناه لك في اورشليم" وهنا في
إيجاز تذكر الكنيسة مرجعها الكتابي في عمل الأيقونة ... وكأنها ترفع أذهان المؤمنين أن يراجعوا في الكتاب كل الزينة والنقوش التي عملها كل من موسى
وسليمان عند بناء بيت الله سواء أيام أن كان خيمة أو عندما بني كحجارة.
"وظهرت لأصفيائك الرسل بتجسد ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ليبنوا لك كنائس وأديرة على اسم قديسيك وشهدائك" وهنا تبرز الكنيسة أن
الأساس الخريسيتولوجي الذي تبنى عليه الكنائس وما فيها هوظهور الإبن الوحيد وتجسده كما سبق أن شرحنا في هذا المقال.
"من أجل هذا نسأل ونطلب منك يا محب البشر أرسل روحك القدس على هذه الصور التي للقديسين أو (للشهداء) (الفلانيين)". وإننا نؤمن إيماناً قاطعاً أن
الروح القدس يحل على الأيقونات بالصلاة وبالدهن بالميرون فيقدسها ويؤهلها للكرامة والتوقير اللذين تستحقا فيرشم الأسقف الأيقونات بالميرون وينفخ فيها
نفخة الروح القدس قائلاً "فليكونوا ميناء الخلاص. ميناء ثابت ... لكي من يتقدم إليهم بأمانة (بإيمان صادق) ينال نعمة من الله بواسطتهم لمغفرة الخطايا".
أنه تعبير رائع تطلقه الكنيسة على الأيقونة إنها ميناء إنها ميناء خلاص وميناء ثبات لكل نفس متعبة في بحر العالم المتلاطم الذي يزعج سلامنا وأمننا ويهددنا
بالغرق في الخطية والمشاكل والهموم الدنيوية ... فتلجأ النفس إلى أيقونات القديسين لترى فيهم إشعاعات النور الإلهي ...
وترى فيها إلهام النصرة والطهارة فتشجع النفس وترتقي إلى السماويات ماسكة برجاء المجد ... ناظرة إلى رئيس الإيمان ومكمله الرب يسوع ...
"لأنه مبارك ومملوء مجداً اسمك القدوس أيها الأب والابن والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين".
حقاً القديسون يمجدونك يا رب وبمجد ملكوتك ينطقون, ... ووجودهم بيننا في الكنيسة هو برهان مجد الله "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم
الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت16:5).
لذلك تعتبر الكنيسة أن تدشين الأيقونة هو مباركة وتمجيد لأسم الله القدوس ... ولذا عندما يلتف المؤمنون إلى كرامة القديسين ومجدهم ترتفع أنظارهم إلى
السماء ليمجدوا أسم الله ويباركونه ... لك المجد في جميع القديسين آمين