الصليب طقسياً
لنيافة الأنبا رافائيل
العلاقة بين الطقس والعقيدة : |
+ العقيدة فكر الطقس تطبيق .
+ الفكر بسهولة ينحرف أما التطبيق لا ينحرف ...
+ الطقس حارساً للعقيدة وتطبيق عملى لها ...
كما أن العقيدة يمكن تنحرف إن صارت بلا عمل والعكس صحيح ...
لابد أن تترجم العقيدة إلى طقس يمارس عملياً إلا وينسى وينحرف .
يجب علينا أن نفهم الخلفيات العقيدية للطقس ...
لا يوجد طقس فى الكنيسة إلا وله معنى لاهوتى ولا توجد عقيدة لاهوتية فى الكنيسة إلا ولها معنى طقسى دقيق ...
أصغر طقس فى الكنيسة هو رسم الصليب ومع ذلك يحوى فى داخله كل العقائد المسيحية العظمى .
مجرد أن يرسم الإنسان علامة الصليب فهو يعلن إيمانه بالثالوث ...
الإيمان الواحد بالإله الواحد ... وبالتجسد ...
الإنتقال من الشمال إلى اليمين يعلن الإيمان بالصليب والفداء ...
الإيمان بالصليب أنه قوى نحتمى فيه ...
رسم الصليب إعلان على الانتماء ليسوع المصلوب ...
سؤال مكرر يتوجه إلى المخدومين :
لماذا تفتخروا بالصليب .. أما كان يجب أن نفتخر بالقيامة و التجلى ؟ |
العجيب إننا نفتخر بأضعف نقطة فى حياة المسيح والتى هى الصليب ...
والقديس بولس لرسول يقول "حاشا لى أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ، الذى به صلب العالم لى وأنا للعالم" (غلا 14:6) .
ويقول “لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً” (اكو 2:2) .
القديس بولس الرسول يقر على نفسه أنه ضد التيار والفلسفة لذلك أهل كورنثوس إحتقروه وفضلوا أبلوس عنه الذى ذهب لهم بحكمة وفلسفة (أبولس) أنه بإشتداد كان يفحم اليهود جهراً مبيناً من الكتب أن يسوع هو المسيح (أعمال) فحقق أبولس للمسيحيين ما لم يستطع بولس الرسول تحقيقه فهو وضّح لأهل كورنثوس لماذا لم يتكلم بإسلوب الفلسفة فكتب إليهم قائلاً "لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله لأنه مكتوب سأبيد الحكماء وأرفض فهم الفهماء .. أين الحكيم ، أين الكاتب ، أين مباحث هذا الدهر . ألم يجهل الله حكمة هذا العالم لأنه إذا كان العالم فى حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة أستحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة ، "وأما للمدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله. لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس" (1كو 17:1-25) .
العمل القوى لا يحتاج إلى دعاية لذلك القديس بولس لم يكرز بذلك الملك الجبار إنما بالمسيح المصلوب فتحول العالم كله للمسيح .. وهذا أعظم برهان على صدق المسيحية .
اليهود رفضوا الإيمان بإله مصلوب يريدون إله معجزات الذى هو إله موسى ، واليونانيون يسخرون بالكرازة بإله ضعيف ويعتبرون أن هذا جهل ومع هذا فالقديس بولس الرسول أخذ يكرز لهم بهذا الإله المصلوب حتى آمنوا ..
وأصبحت هنا قوة الكرازة ليست بالفلسفة والحكمة إنما بقوة الصليب فعلاً كما قال "وأنا لم أتيت إليكم أيها الأخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة منادياً لكم بشهادة الله . لأنى لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً” (1كو1:2:1، 2) .
وهنا يتسائل البعض قائلاً :
الصليب كان وسيلة إعدام للمسيح كيف يتخذونه رمز للمسيحية ووسيلة فخر .. يلبسه المسيحيون على صدورهم ويعلقونه على منارات الكنائس ... ؟ |
الإجابة هى :
1- لو إن المسيح صُلب بإستحقاق لكان الصليب عار فالمسيح لم يُصلَب لأنه مذنب بل صُلب لأجلنا نحن المذنبين لذلك فالصليب فخر ...
2- لو أن المسيح صُلب عن ضعف لكان الصليب عار فالمسيح صلب عن قوة فهو كان يَعلم كل ما كان مُقدم عليه ومتقدم للصليب بكل قوة لذلك قال للتلاميذ : "ها أنا صاعد إلى أورشليم .. وإبن الإنسان يسلم .. " .
“وحينما أتى الجنود ليقبضوا عليه ومعهم سيوف وعصى تقدم إليهم فى شجاعة وقال لهم يسوع أنا هو” (يو15:18) قالها بقوة ... فكان هو القوى وهم الضعفاء .
عندما "واحد من الذين مع يسوع مد يده وإستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه .. فقال له يسوع رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون . أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى فيُقدم لى أكثر من أثنى عشر جيشاً من الملائكة . فكيف تكمل الكتب إنه هكذا ينبغى أن يكون" (مت 51:26-54) .
لأنه كان هدفه الصليب ، لذلك يقول له لحن فاى إيتاف إينف. (الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة) ... لأنه هو الكاهن وهو أيضاً الذبيحة .
ظن اليهود أنهم بالصليب تخلصوا من السيد المسيح ولكنه عاد وقام مرة أخرى بقوة .... فلم يتحقق هدفهم .. وبذلك لم يكن الصليب ضعف إنما كان قوة ...
الصليب مظهره الخارجى ضعف ولكن قيمته الداخلية قوة .. لذلك نقول فى لحن أومونوجينيس (يا من أظهر بالضعف من هو أعظم من القوة) ...
لذلك فالمسيح كأنه يقول للشيطان أنا لم أسحقك بالقوة أو بسلطانى ولكن سوف أسحقك فى أضعف لحظات حياتى التى هى على الصليب ... سأترك لك تفعل بى كل ما تريد وفميا أنا أسلم الروح سوف أقبض عليك وأقيدك وأهزمك ..
لذلك يقول التقليد الكنسى "أن الشيطان دنا من المسيح لكى يقبض على روحه كعادته مع جميع الذين يموتوا ... وهو ظن أن المسيح مثل إبراهيم .. أسحق .. يعقوب ... موسى ... إلخ ... جميع الذين قبض على أرواحهم فى الجحيم ولكن عند المسيح على الصليب قال له بصرخة يائسة " إن كنت إبن الله إنزل .. " لم يـجبه المسيح لكى ينزل من على الصليب .. لأن الشيطان كان طوال فترة حياة السيد المسيح على الأرض مُتحيراً من أعماله ... وفى هذه اللحظة إذ تظاهر السيد المسيح له بالضعف ولم ينزل من على الصليب فدنا منه الشيطان لكى يقبض على روحه .... وفى هذه اللحظة حيث المسيح متهالك وعلى وشك الموت وفى أضعف لحظات عمره قبض على الشيطان وقيده 1000 سنة (رقم رمزى) وأظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة لذلك " كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أما عندنا نحن المُخلَّصين فهى قوة الله " (1كو18:1) فهو الذى به هزم الشيطان ونحن نفتخر به ونهاجم به أيضاً ضد الشيطان ... فنفكره بالموقعة الحربية التى هُزم فيها الشيطان فيخزى عندما يأتى لمحاربتنا .
قصة :
شخص عدوانى يُهدد سكان المكان وليس هناك من يقدر أن يقف أمامه وفى إحدى الأيام بينما هو يعمل صخب وقلق تقدم إليه صبى صغير وهمس فى أذنى هذا الوحش قائلاً (باب الشعرية) وإذ بالرجل العدوانى يهرب خجلاً ولم يعلو صوته مرة أخرى ... لأن هذه الكلمات التى همس بها الصبى فى أذنيه ذكرته بموقعة كان فيها فى منتهى الضعف وخرج مهزوماً ...
هكذا نحن نُحارب الشيطان بالصليب ونذكّره بالجلجثة ، فيتراجع عنا ويخزى . الذى عبّر عنه الكتاب قائلاً " رأيت الشيطان ساقطاً من السماء مثل البرق " .. “ جرد الرياسات به بالصليب ” يشبه خلع الرتب من أحد قواد الجيش مع الموسيقى الحزينة وبمرأى من الجميع لأجل هذا الأمر المحزن ... هذه حفلة الصليب .. الجميع ينظرون والصليب على جبل عال ... ويظن الجميع ظاهرياً أن المسيح مهزوم ولكن حقيقة الأمر أنه كان يُجرد الرياسات (يقيد الشيطان) " لأن رئيس هذا العالم يأتى وليس له فى شئ " (يو30:14) .